رحيل برلماني مغربي لم يغادر مقعده منذ 1963.. من يكون عبد الواحد الراضي؟
توفي، الأحد، السياسي المغربي المخضرم، عبد الواحد الراضي، بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 88 عاما.
وكان الراضي، الملقب بـ”شيخ البرلمانيين” المغاربة، يتلقى العلاج في إحدى المصحات الفرنسية عندما توفي، وفق وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
وتولى الراحل العديد من المناصب السياسية البارزة في الحكومة والمؤسسة التشريعية، وكان أيضا من أبرز قيادات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي قاد المعارضة في معظم سنوات حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
من يكون الراضي؟
عايش الراضي – وهو خريج جامعة السوربون الفرنسية – أبرز القيادات التاريخية لمغرب ما بعد الاستقلال مثل المعارض اليساري البارز، المهدي بن بركة، والمقاوم الثائر محمد البصري المشهور بـ”الفقيه”، والسياسي البارز، عبد الرحيم بوعبيد.
رغم صغر سنه إثر نيل المغرب الحرية في 1956، ساهم رفقة العديد من أبرز السياسيين اليساريين خلال الستينات في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي خرج من رحم حزب الاستقلال سنة 1959.
في 1963 اقتحم الراضي – الذي ولد بمدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط في 1935 – القبة التشريعية المغربية ليصبح أصغر نائب داخل البرلمان.
وبينما تفرق أبرز المعارضين لنظام الملك الحسن بين الاختفاء والمنفى والسجون، ظل الراضي – الذي عمل أستاذا لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط – أكثر الأصوات الاشتراكية القريبة من القصر والمعارضة معاً.
وفي حوارات سابقة، قال إنه لم يختر شخصيا الوساطة بين حزبه والملك وإنما تم اختياره للعب هذا الدور، لكنه لم ينج من انتقادات مناضلي حزبه.
بعد صدور مذكراته “المغرب الذي عشته” في 2017، شرح في حوار مع أسبوعية “الأيام” المحلية سرّ قربه من الحسن الثاني، قائلا “لم أختر أن ألعب دور الوسيط، لكن تم اختياري لهذه المهمة بفعل الثقة التي حظيت بها، ولم تكن المهمة سهلة على الإطلاق، فالذين كانوا يعرفون عمق الأشياء كانوا قليلين جدا”.
وأوضح أن القيادي البارز للحزب الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد “فهم وعرف الدور الذي لزمني القيام به”، وكذلك خلفه عبد الرحمن اليوسفي، لكنه تأسّف على أن “بعض الأعضاء من القيادة وكذلك بعض المناضلين لم يكونوا يفهمون نوع العلاقة التي تجمعني بالحسن الثاني، وطبعا كان هذا يؤدي إلى تأويلات وتعاليق وإصدار بعض الأحكام، وكان عليّ أن أتلقى كل ذلك بصبر حتى أتمكن من القيام بمهمتي”.
بعد عقود من التطاحن بين الملكية والمعارضة اليسارية، عيّن الحسن الثاني حكومة التناوب التوافقي التي ترأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين 1998 و2002 بقيادة الوزير الأول حينها، عبد الرحمن اليوسفي، والذي رحل أيضا قبل نحو ثلاثة أعوام. الراضي: فرنسا تعلم مكان دفن جثة بن بركةفي 29 من أكتوبر، سيكون قد مر على اختفاء الزعيم السياسي المغربي، المهدي بن بركة، 52 سنة. مدة لم تكف بعد لحل لغز “أين اختفى بن بركة”؟
فتحت هذه التجربة باب المناصب الحكومية أمام النخب اليسارية، وبينهم الراضي الذي تولى وزارة العدل سنة 2007 في حكومة ائتلافية قادها، عباس الفاسي.
كان الكثير من اليساريين يعتقدون أن تولي الراضي وزارة العدل بداية لكشف المصير الغامض للمهدي بن بركة الذي اختفى في الـ29 أكتوبر من 1965 في باريس، لكن هذا لم يتحقق.
وقد فسّر الراضي استمرار غياب الحقيقة في هذه القضية، في مقابلة سابقة مع “أصوات مغاربية” بالقول إن فرنسا هي التي “تعلم مكان دفن جثة بن بركة”، و”لا يمكننا معرفة الحقيقة إلا عن طريق الأرشيف الفرنسي”.
ظلّ الراضي، بعد التجربة الحكومية، في منصبه التشريعي ممثلا لدائرة سيدي سليمان (غرب) حتى تولى في 2010 رئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).
حينما توفي الأحد، احتفظ بلقبه كأقدم برلماني في تاريخ المغرب، لكن خلال مساره الحافل ترأس العديد من الهيئات البرلمانية الدولية أيضا، مثل “مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي”، و”اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الدولي”، بالإضافة إلى “اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي”.
المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام مغربية
مواضيع ذات ص
“حامي الصحراء” و”جزّار أكفادو”.. قصة ثائرين جزائريين قتلهما الاستعمار
يُعرف شهر مارس في تاريخ الثورة الجزائرية (1954-1962) بتسمية “شهر العقداء”، ويعود سبب هذه التسمية إلى كثرة عدد قادة الثورة العقداء الذين سقطوا في هذا الشهر برصاص المستعمر الفرنسي، وأشهرهم العقيدان سي الحوّاس وسي عميروش.
قضى العقيدان القائدان – رفقة 70 من المقاومين – في معركة كبيرة ضد الجيش الفرنسي تدعى “معركة جبل ثامر” بمنطقة بوسعادة وسط الجزائر، في 28 من هذا الشهر من العام 1959.
مهمّة سرّية
كانت تلك المعركة كمينا نُصب لهما بينما كانا في طريقهما إلى تونس في مهمة سرّيّة كلفتهما بها قيادة الثورة، وتمثلت المهمة في الاتصال بالقيادة السياسية للثورة.
كان عدد العقداء في الثورة الجزائرية قليلا جدا، ورتبة عقيد هي الأعلى في جيش التحرير الوطني آنذاك، لذلك كان الاستعمار يستهدفهم لضرب الثورة في رأسها حتى يسهل عليه القضاء عليها نهائيا.
قبل الثورة انضم العقيدان إلى “حزب الشعب الجزائري” لزعيمه مصالي الحاج، ومن هذا الحزب خاضا نضالا سياسيا ضد المستعمر وفيه أيضا رضعا مفهوم الحرية والاستقلال.
باندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر 1954 تقدّم الرجلان الصفوف، فعيّن العقيد سي عمروش آيت حمودة (الاسم الكامل لسي عميروش) قائدا للولاية الثالثة (منطقة القبائل)، وعُيّن العقيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة (الاسم الحقيقي لسي الحواس) قائدا للولاية السادسة (الصحراء).
نهاية “حامي الصحراء” و”جزار أكفادو”
كان الاستعمار الفرنسي يطلق على العقيد سي عميروش، المولود العام 1926 بمنطقة القبائل، لقب “جزّار أكفادو” (أكفادو اسم غابة) للتخويف منه، فلقد فتك سي عميروش رفقة رجاله بالعديد من جنود فرنسا وضباطها، كما كان يلقّب بـ”أسد الجبال”.
ولم يكن العقيد سي الحوّاس أقلّ شأنا أيضا فعُرف ثوريا بلقب “حامي الصحراء”، باعتباره أبرز من وقفوا ضد خطة فرنسا لفصل الصحراء عن الجزائر.
لم يتمكّن العقيدان من بلوغ تونس، ففي “معركة جبل ثامر” اشتبكا مع قوات الجيش الفرنسي بعدما تقفّى جواسيس أثرهما، فـقُتل القائدان وأخفت فرنسا قبريهما ولم يتم العثور عليهما إلا بعد الاستقلال بسنوات.
وقد نشر الأرشيف التلفزيوني الفرنسي تسجيلا، تبدو فيه جثة العقيد سي عميروش معروضة في مسقط رأسه حتى يتعرّف عليه والده وليتأكّد الجميع من مقتله بعدما كان يرعب الاستعمار ويشجع الجزائريين على الثورة، كما كتبت صحف فرنسية تؤكّد مقتله، فعنونت صحيفة “باريس”: إنه بالفعل عميروش، يؤكّد سكان القبائل”.
وقبل ثلاثة أشهر انطلق بالجزائر تمثيل فيلم “حامي الصحراء” بتمويل حكومي، يتناول حياة سي الحواس، كما حوّلت منزله في قرية مشونش (جنوب)، التي ولد فيها العام 1923، إلى متحف.
المصدر: أصوات مغاربية